لمن هذا المقال؟
لأن رأس المال الوحيد المشترك بين كل البشر هو عامل الوقت، فهذا المقال للجميع، بالرغم من أنه نابع من البيئة العلمية البحثية الأكاديمية وأهمية عامل الوقت فيها. ولكن هذا المقال للجاد منهم والذي يحزن على ضياع بعض الدقائق ناهيك عن الساعات، ويتمنى لو أن اليوم به ٤٨ ساعة وليس ٢٤. فإن لم تكن كذلك فلا تقرأ المقال فإنك لن تستطيع معي صبرا.
المشكلة؟
باختصار: يومنا أصلا ممتلئ بالأعمال (القائمة أ) وهناك أعمال أخرى (القائمة ب) تنتظر أوقاتا لإنجازها فما الحل؟
الحل: (Filtration, Optimization, Parallelization (FOP
هذا المقال معني بالأسباب العملية المباشرة ولا يتطرق لوسائل أخرى شرعية مثل البركة والدعاء، وغيرهما مما يستدعي تخصص ومقام آخر.
الحل يتمثل في ثلاث مراحل متتالية لإقحام الأعمال الأخرى من القائمة ب، التي تنتظر أوقاتا لإنجازها، في نفس اليوم الممتلئ أصلا بالقائمة أ. (مرة أخرى، تذكر لمن هذا المقال؟)
المرحلة الأولى: التنقية (Filtration)
ما تظنه من امتلاء اليوم بالأعمال هو وهم. لأن الكثير من هذه الأعمال (وسامحني في الكلمة) تفاهات وإضاعة للأوقات. عدد الساعات المهدرة في المسلسلات، والأفلام، والأغنيات، والمباريات، ومواقع التواصل الاجتماعي، والدردشات، والكافيهات، إلخ، لا يُحصى. وسيختلف الوضع قطعا من شخص إلى آخر، ولكن القاعدة العامة للإنسان الجاد هي أن تنظر في كل عمل تقوم به، حتى ولو كان يستغرق خمس دقائق، هل هو عمل جاد مفيد (حتى ولو كان ترفيها محسوبا تحتاجه؛ نعم "محسوبا" ولا تترك نفسَك لنفسِك) أم هو من التفاهات! سمعت التنهيد والضجر الذي صدر منك، ألم أقل إنك لن تستطيع معي صبرا. في نهاية هذه الخطوة ستجد أنك تستطيع توفير ساعات. صدقني احسبها بالورقة والقلم.
المرحلة الثانية: الإحكام (Optimization)
لم يبق معنا الآن إلا المفيد الجاد من القائمة أ والقائمة ب (ومن هذا المفيد الجاد طبعا الترويح عن النفس المحسوب كما قلنا، والأسرة، والعبادات، إلخ) يأتي الآن دور الإحكام والذي يجب أن يكون منهج حياة. يعني بلغة علوم الحاسب (while (true
انظر في كل عمل، بمعنى الكلمة “كل عمل”، كيف تستطيع إنجازه في أقل وقت ممكن مع الحفاظ على نفس الجودة تقريبا. ولأني أعني "كل عمل" فسوف أضرب المثالين الآتيين المتباينين أشد التباين، وأترك لكم الميدان للإبداع في أموركم الشخصية:
الكاكاو باللبن
إعداد الكاكاو باللبن البارد كنت أراه مزعجا جدا لصعوبة التحضير وذوبان الكاكاو تماما والعسل في اللبن البارد حتى لو أضفت بعض الماء الدافئ (وخاصة إذا كنت تهتم بقراءة المكونات على كل طعام تشتريه، وتشتري الكاكاو الخام لتجنب ضرر المكونات الصناعية). الكوب الواحد كان يستغرق ٤ أو خمس دقائق (فعلا أريد توفير هذه الدقائق الخمس. ألم أقل لك إنك لن تستطيع معي صبرا). ابتكرت طريقة جديدة وهي تحضير محلول مركز جدا: كاكاو وعسل (لتجنب ضرر السكر وجلب فوائد العسل) والقليل من الماء المغلي لتسهيل الذوبان ثم يضرب في الخلاط ويحفظ في الثلاجة. تستغرق هذه العملية نصف ساعة، بما يعدل دقيقة في اليوم. ولكن تحضير الكوب الواحد صار يستغرق أقل من ١٠ ثوان لسهولة إذابة ملعقتين من هذا المحلول المركز في كوب اللبن البارد. وبهذا فقد وفرت تقريبا ثلاث ساعات في الشهر إذا أردت إعداد كوبين يوميا. الفكرة الأساسية هنا، أنه إذا كان هذا منهج حياة فلن يقتصر الأمر على الثلاث ساعات. سيتعداه ليشمل جميع أعمالك، وتوفر الكثير من الساعات. ولكن الأمر يحتاج إلى إمعان النظر في كل عمل والابتكار والتصميم (design).
Shell scripting
أي أعمال روتينية تقوم بها على جهازك، اكتب لها shell script. اجعلها عادة. ستوفر أوقات كثيرة بالإضافة إلى الإتقان.
المرحلة الثالثة: التوازي (Parallelization)
وصلنا الآن إلى أهم مرحلة. بعد تنقية الأعمال من التفاهات، وبعد إحكامها لتنفيذها في أقل الأوقات جاءت أهم مرحلة وهي العمل على التوازي. وهنا التفكير الحقيقي خارج الصندوق، فبدلا من مد خط الأعداد إلى اليمين لزيادة ساعات اليوم عن ٢٤ ساعة وهو مستحيل، سنتوسع عموديا بإضافة بعد ثانٍ يسمح لنا بعمل أعمال على التوازي مع الحفاظ على نفس الجودة تقريبا. هذا أيضا يجب أن يكون منهج حياة. سأضرب أمثلة فقط لتوضيح الفكرة، مع التأكيد مرة أخرى على أن الأمر يحتاج إلى ابتكار وتصميم (design) يعتمد على حياة كل إنسان وتفاصيلها. وقد تكون الأمثلة التالية غير عملية أو غير مناسبة للبعض. الميدان مفتوح للإبداع. أرجو ألا يكون هذا فراق بيني وبينك، وأن تكمل المقال.
أوقات الانتظار
يكون هناك بعض أوقات الانتظار في بعض أماكن الخدمات العامة أو في السيارة أو غير هذا. في هذه الأوقات أقوم بكل أعمالي من قراءة وكتابة وأعمال على الكمبيوتر والموبايل ومكالمات إلخ.
خدمة العملاء
الانتظار على الهاتف ربع ساعة حتى يأتي دورك ويرد عليك خدمة العملاء، مستحيل تتركه يمر هكذا. اسحب فورا أحد الأعمال من القائمة ب، وابدأ فيه.
قهوة الصباح
بعد رجوعي من صلاة الفجر أحب القهوة:
French-press, strong, dark roast, black (no sugar, no milk)
ولكن لا أستطيع أن أتحمل إضاعة ٦ دقائق كل يوم لعمل القهوة. في هذا الوقت أقوم ببعض الأعمال على التوازي (تذكر ليس الهدف اختلاق أي عمل لإيهام نفسك أنك تستثمر الوقت): أتناول بعض التمرات، أسمع بعض الأخبار أو أقوم ببعض أعمال للبيت.
المواصلات
هناك العديد من الأعمال تستطيع إنجازها في مثل هذا الوقت: القراءة (سواء من المحمول أو كتاب)، إيميلات، سماع محاضرات، مراجعة قرآن، بل النوم لأن ما تنامه سيخصم قطعا من باقي ساعات النوم التي يحتاجها جسدك لاحقا وبالتالي تستثمرها في العمل. بل والذِّكر، الذي ليس فقط للحسنات والثواب ولكن لزيادة قوة الجسد وصلاح العمل وجلب العون من الله على هذه الأعمال، ولكن هذا يتطلب أن تدرس هذا الأمر أولا وتذاكره لكي تتقنه فليس كما تظنه مجرد حركات ميكانيكية تقوم بها هذه العضلة في الفم. وسأتوقف هنا لأن هذا موضوع آخر ويحتاج إلى تخصص.
الخلاصة في موضوع التوازي هذا، أنك إذا قمت بعمل مفيد رائع استغرق منك مثلا ساعة من الزمن، في الوقت الذي كان من الممكن أن تقرن معه عملين آخرين في نفس الساعة ولكنك لم تفعل، فقد أهدرت ساعتين من عمرك.
بارك الله لنا جميعا في أوقاتنا وعلمنا ما ينفعنا ونفعنا بما علمنا.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
ملحوظة: من المفيد أن نتشارك جميعا في هذه التجربة بمشاركة الإبداعات في تنفيذ هذه الأفكار بل ونقد المقال من أساسه. يمكن المشاركة هنا
د. وليد يوسف